اسم الكتاب / ديوان الحلة .. انطلوجيا الشعر البابلي المعاصر
اسم المؤلف / الدكتور سعد الحداد
منشورات بابل / ( بابل , بغداد , زيورخ ) 2012 م
عدد الصفحات / 347 صفحة
د. سعد الحداد
قراءة في كتاب ...
هوية الحلة في انطولوجيا الشعر البابلي المعاصر) القسم الاول .(
• عماد جابر الربيعي .
ما بين ذخائر المال في مدح المصطفى والآل وديوان الحلة رحلة طويلة للشاعر الدكتور سعد الحداد في الأدب الحلي خاصة فمن موسوعة أعلام الحلة الى محمود مرجان والسيد محمد علي النجار والشيخ محمد حيدر والخليعي وغيرها من الأسماء مروراً بالحسين في الشعر الحلي وتراجم شعراء بابل ففي هذه المآثر وسواها ساهم الدكتور الحداد بشكل جاد وحريص في المحافظة على تراث الحلة وصيانته من الضياع، وكتابه هذا (ديوان الحلة- انطولوجيا الشعر البابلي المعاصر) من منشورات بابل 2012م خير دليل على حبه للشعراء من أبناء الحلة الفيحاء.
وما جاء في مقدمة الديوان : " من حقنا أن نحتفي بشعرائنا وإبداعاتهم ومن حق الآخرين أن يقيموا هذا المنجز من وجهات نظر مختلفة فذاك سيسعدنا حقاً " دعاني للبحث عن (هوية الحلة) في الديوان الذي ضم أسماء (79 شاعراً في 347 صفحة من الحجم الكبير).
فمن حيث الموضوع والصور الفنية الى جانب طريقة التعبير تقف قصيدة (سيرح) للشاعر جبار الكواز في مقدمة القصائد التي تحمل (هوية الحلة) لن لم تكن في مقدمة قصائد الديوان. فالأستاذ جبار الكواز شاعر مشهود له بالتجديد قبل عقود استطاع أن يجعل قصيدة (سيرح) واسطة ننظر من خلالها الحدث بعيداً عن السرد والتقرير لأنه يعرف جيداً انه يكتب الشعر وان مهمته كشاعر. حازت القصيدة اهتمام النقاد في مربد هذا العام وكتبت عنها أكثر من دراسة فالقصيدة حلية بامتياز.وقد سألت الشاعر عن بعض طلاسمها فأخبرني ان (سيرح) أخر يهود الحلة توفيت فيها والساعاتي حلي اسمه (حسين أبو علي). جاء في القصيدة.
تك / تك / تك / ت ت ت ك / ساعتها وسادة لوم / (اولما / فلكا / رولكس / رأس كوب) ما زالت تحرس جدران الالهة / وتقلم اظافر الساعاتي بالتمني (الساعاتي يحفظ أسماء القتلى ويشاركس الصبايا بالتكتكات).
تفرد الشاعر جبار الكواز في بناء قصيدته على (التداعي ـ الحوار الداخلي) فالشاعر يتحدث والصوت الاخر وضعه بين قوسين. الى جانب توظيفه لحكاية صوت الساعة (تك) فهو غير مسبوق كذلك تضمينه للموروث الثقافي الفني والاستفادة من دلالته في قوله:
حين أهدت عباءتها لعليا وعصام / ومرآتها لفترة وعبله / وخفها لفريد الأطرش وقنديلها لأحدب نوتردام وهم الآن دخان يمسك الرياح في السماء.
والقصيدة ذات إيقاع جميل ربط الشاعر مقاطعها التسعة بإحكام فجاءت غاية في الانسجام علماً أن القصة السينمائية لقلم (عليا وعصام) للشاعر الحلي أنور شاؤول.
ثم تأتي قصيدة (نقوش على جبة الدرويش) للشاعر عمار علي الشره التي تبدأ بالمكان : (ما بين الفرات وبوابة المعمل) شط الحلة ومعمل الكولا، الشركة العامة للمشروبات الغازية في الجامعين : (لمحت وجها سومرياً) الشاعر الراحل محمد سالم البيرماني : (في االيمنى عليً على ناصية الحوض) هذا الشطر فيه أشارة لقول البيرماني الاتي ذكره اعني كتاب الحافظ البرسي رجب الذي ذكر فيه أحاديث وحكايات وأخبار غريبة عجيبة على حد قول الخاقاني والكتاب اسمه : مشارق أنوار اليقين في حقائق أمير المؤمنين (ع).
وتقف الى جانب قصيدة الشلاه قصيدة الراحل الشاعر محمد سالم البيرماني (ما أقضى به الدرويش) والتي نجد فيها :
التاريخ وذلك قوله : الذي بني الصوبين، اسمه.... صدقه.
والجغرافية : قرية (العتائق) ـ شط الحلة ـ مملحة الكفل.....
والتراث وذلك قوله : الحلة ايضا عاصمة الحبر والمطر... !!!
أم الامتياح والانزياح من بئر السحر.... !!
أم مشارق أنوار اليقين...!!!
الى الجانب الحاضر : (اضرعا من اجل مجلس الشلاه) وهو مجلس الأستاذ حسام الشلاه وقوله (واسم وزيره في حديقة الحكومة....) أشارة للراحلة خادمة الحسين (ع) المله وزيره.
والقصيدة بنيت على سبعة عشر مقطعاً أطولها الرابع عشرة اشطر وجاء المقطع الخامس شطر واحد وكذلك الأخير. وليت الشاعر حذف منها الاشطر الثلاثة الأولى من المقطع السادس اعني قوله (بعضهم يقول.....) ففي الكلام سعة عنها.
الى جانب غموض المقطع العاشر :
انظرا... من قال : أن العود ليس من رمل حضر موتيّ....!!!
ولا يسقى من ماء دمشقيّ.....!!!
ولا يفرع من عطر حرمليّ ؟
أقول : تحمل القصيدتان (البيرماني قد أخذت مساحة أوسع من تاريخ الحلة وحاضرها الى جانب لفتها وما تحمله من دلالات فهي بحق كما قال عنها الشاعر عمار الشلاه.
ها هو وهج الكلمات المكتنزه بالإيحاء
يضيء عتمته النفس
يتدفق من روح تفيض بالنقاء
والى جانب هذه القصائد الثلاث التي تحمل (هوية الحلة) نجد في ديوان الحلة للدكتور سعد الحداد ثلاثاً أخرى فيها أشارات لاماكن حلية.
المكان الأول : جسر الحلة ذكره الشاعر محمد كاظم جواد في المقطع السادس من قصيدته (الطائر الذي ابتل بماء السماء) يتألم الشاعر لما آل إليه حال الجسر القديم و (شاطئه المتعب) ولقد أجاد في ختام المقطع إذ يقول :
الجسر الذي استوعب كل الخطى
صار الآن مأوى
للبائ
ع والجائع والضائع
وإذا كان الجسر القديم قد حظي بمقطع مستقل نجد المكان الثاني (كنيسة العذراء) التي تقع في تقاطع ساحة الأم من جهة حي الشاوي ظهرت (غريبة) في قصيدة سلام مكي التي ختمها بقوله :
والمسيح قريب منا
لكنه غريب !!
غربة الصليب
في الأم
أما المكان الثالث فهو مدينة بابل الأثرية ذكرها الشاعر وليد الزبيدي في قصيدته (تسونامي بابل) بقوله :
من بابل الخراب والخرائب..
فقد نقّبت فيها السرفات
وأحذية الجنديات..
اللواتي علقن (.....)
وفي المعبد كان (...)
إلا أن ما جاء في هذين الشطرين (اللواتي.. والمعبد...) ليس من لغة الشعر وللشاعر في المجاز والكناية والتورية متسع ومثلهما ما جاء في قصيدة الشاعر ذياب شاهين وذلك قوله (فلا منأى..).
الى جانب هذه الأماكن نقرأ في انطولوجيا الشعر البابلي المعاصر للدكتور سعد الحداد اسم (الحلة) في مرآة الماء لعلاء مظلوم إذ يقول :
أعطوني وطني
أن عصافير الحلة وهي رماد تخرج من حبل الشنق
وتقرأ اسم (بابل) في قصيدة شوق لعلي الحسيني وذلك في قوله : وتطلعت / أن (بابل) تأتيك / تسهر في راحتيك.
وبما أن الحلة وريثة بابل فما هي الأسماء البابلية في (ديوان الحلة) للدكتور سعد الحداد والتي تشكل (هوية الحلة) في قصائد الديوان ؟
سأبدأ بملحمة جلجامش ثم بابل القديم:
لعل حكايات قديمة للشاعر والناقد الراحل عبد الجبار عباس المكونة من سبعة مقاطع والتي وظف فيها ملحمة جلجامش واختار منها أحداثاً رئيسه ليقول من خلالها ما يريد (على خطى السياب) أفضل نصوص انطولوجيا الشعر البابلي المعاصر استثماراً للأساطير خاصة مقاطع (الكورس) إذ استطاع الشاعر من خلالها الوصول الى هدفه ناهيك عن لغته الجميلة وموسيقاه فهو يقول :
هي أفعى فاحذر ملمسها
باب لا يصمد للريح
قتلت تموز وتبكيه
والحارس مسخته ذئبا
أما الشاعر شريف الزميلي فهو يقول في قصيدته زهرة جلجامش وكلكامش الآن مستنفرا
يبتني حول اوروك سورا
وأوروك تبني لكلكامش العمر مجدا
أقول : غني عن البيان أن الشاعر كلكامش والزهرة مدينته (حبيبته) وقد اختار الشاعر هذا الرمز (كلكامش) ليس تعبيراً عن الخلود فحسب وإنما ليضيف إليه الحب والمشاركة في البناء ناهيك عن موجة الحداثة في استثمارها للأسطورة.
ويشترك ساطع الجميلي مع الزميلي في استخدام (أوروك) رمز للمدينة وقد بدا متعباً فهو يقول في قصيدته على أنقاض الغابرين : هذا أنا نزلت في أوروك مثل زهرة بلا ماء.
قنديل بلا عيون
ويبدو أن الشاعر باقر محمد جاسم وفق في غناء الأنهار وذهب الى مسافة ابعد من الزميلي والجميلي في استثمار ملحمة جلجامش اسمعه أولا يقول :
وموتي حادث قديم...
ذكرته الأساطير في كل الحضارات......
لا أرجو الخلود....... بل أخشاه كما الجذام
فأنا امسك حبلا سرياً يصلني بالعشب
فالشاعر هنا ير ندي جلبات جلجامش بل يتفوق عليه لأنه لا يرجو الخلود ويصل للعشب (النبات الذي يجدد الشباب) يسألني درب التبانه :
أتبكي كما بكى أنكيدو ؟ فإلام ؟
أما الشاعر سلام مكي فقد ارتدى جلبات انكيدو عندما اختار لقصيدته هذا العنوان : أخر ما قاله أنكيدو
ويقف الى جانب سلام الشاعر مؤيد عليوي في قصيدته :
انكيدو أكثر الناس أدمانا
واذا كنا لا نجد لا نكيدوا مكانا في قصيدة سلام فان مؤيد يقول :
أدمن انكيدوا الليل يحكُ جلد النهار
في فجرٍ من الأزلْ
عبقُ من سومر.
إلا أن الشاعر صباح العسكري استطاع استثمار اسم انكيدو وبشكل واضح في قصيدته دموع من حجر فهو يقول :
لم يأت انكيدو....
أو..... أحد من أحفاده
أو.... أحد من أتباعه
فأنكيدوا الذي جاء لينقذ أهل أوروك من ظلم جلجامش لم يأت لينقذ مدينة الشاعر....
والى جانب ذلك نجد علي الاسكندري في ختام قصيدته الغرين يقول :
هذا الفتى الحكيم....
هو الذي / أعطى / هو الذي / علم / (هو الذي رأى)
فهنا يبدو أن الشاعر اختزل قصيدته التي تتحدث عن الوطن بما جاء في مقدمة ملحمة جلجامش : هو الذي رأى
فوطنه هو وطن جلجامش...
أما الشاعر عمار الشلاه فقد اختار (اوتو نابشتم) بطل الطوفان الذي دل جلجامش على العشب الذي يجدد الحياة اختاره الشلاه ليضعه في العين اليسرى لصديقه الشاعر الراحل محمد البيرماني وذلك قوله :
في اليسرى اوتو نابشتم يمسك بدفة السفينة
والى جانب استثمار الأسطورة في ديوان الحلة للدكتور سعد الحداد نجد شعراء آخرين اعتمدوا أسماء بارزة في تاريخنا الحضاري القديم فهذا عواد الشقافي مخاطباً الدنيا في قصيدته طائر العنقاء يقول :
وبد عناكِ حضارةْ....
منذُ انكيدوا وجلجامش من خلف العصورْ
وحمورابي ودستور النجاة....
وبنو خذ نصر دانت له الأرض بإحراق الجذام.
كذلك الشاعر عبد الأمير خليل مراد فقد أجاد الاختيار لحمورابي في قصيدته البدوي إذ يقول
لم يعرف حمورابي لأنه / البارحة
حصد مسلته على رؤوس / الأشهاد
واتخذ عبد الحسين الحيدري اسم حمورابي عنواناً لقصيدته التي تحدث فيها عن الوطن فهو يقول :
هو ليس لي وحدي وأبنائي....
ولكنا نفخنا روح بابل فيه فانبثقت ينابيعا
وزرعاً مثقلا ومفا
وزا مرجان
ويشترك فوزي الطائي مع الحيدري عندما سمى قصيدته : طقوس الأميرة البابلية فهو يقول :
همساتك أحلى الأميرات نغمة
وهذي بلا بل بابل
شائقه مثل عينيك
وغني عن البيان ان مثل هذه الأسماء (الشائعة) بما تحمله من دلالات متشعبة خير ما يغني به الشاعر قصيدته إضافة الى كونها (هوية حلية) يجدها القارئ في ديوان الحلة- انطولوجيا الشعر البابلي المعاصر للدكتور سعد الحداد.
ديوان الحلة – انطولوجيا الشعر البابلي المعاصر
*محمد الموسوي
أقام اتحاد ادباء وكتاب بابل امسية ثقافية عن (ديوان الحلة – انطولوجيا الشعر البابلي المعاصر) للباحث الدكتور سعد الحداد والصادر عن دار بابل للثقافات والفنون والاعلام ضمن اصداراته في مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية , قدم للكتاب راعي ومؤسسه المهرجان الدكتور علي الشلاه بالقول (لعل الحلة من أكثر مدن الارض التصاقاً بالقصيدة قهي تغفو على كتف بابل , وتصحو مع مياه الفرات , مدينة اسسها الشعراء والفقهاء والكتَّاب , وسارت بتاريخها بين قصيدة ولوحة وحكاية حب قديمة ), تحدث في الامسية الدكتور أسعد النجار عن جهود الاديب الحداد في مجال توثيق الشعر الحلي وحفظه من الضياع وهو في عمله الببليوغرافي هذا يكمل ما فعله الشيخ اليعقوبي في بابلياته والشيخ الخاقاني في شعراء الحلة والدكتور المرزوك في تكملة البابليات وبين الدكتور النجار ان هذا العمل يحفظ تراث الحلة ويصون الشعر الحلي من الضياع . وقد تحدث في الامسية كل من الادباء والباحثين عماد الربيعي , وجبار الكواز, وعبد علي حسن , ورشيد هارون , وولاء الصواف ومجيد فليفل , اذ قدموا آراءهم حول هذا الكتاب وتناولوه بالنقد والتحليل والتفسير مبينين اهميته في الساحة الثقافية لا على مستوى مدينة الحلة فحسب بل على مستوى الساحة الثقافية في العراق , بعد ذلك قام الحداد بالرد على تلك الآراء واوضح معاناته في تأليف الكتاب والمعوقات التي واجهته , كما واوضح الدكتور النجار ان الاديب الحداد احسن اختيار النصوص وهو غير معني بتحليلها او توضيحها بل ان عمله ينحصر بذكر ترجمة سيرة الشاعر وذكر نص من نصوصه والتحليل من عمل النقاد ومن يريد معلومات اضافية يرجع الى المضان لينهل منها ما يريد , هذا وقد حضر الجلسة عدد كبير من الادباء والشعراء والمثقفين .
16/10/2012
انطولوجيا الشعر البابلي المعاصر
متابعة / كنوز ميديا –
لاريب ان أهم المنجزات التاريخيّة تُفقد بمرور الازمنة، ويلفها النسيان إن لم تدون ،فكم ضاع وفقد من المنجزات التاريخية.. والثقافية في كل حقول الإبداع، لأنها لم تؤرشف، وتطبع ،فالذاكرة الشفاهية يعتريها السهو والنسيان والخلط والتشويه، فيما تدوين المنجز يبقيه حيّاً ..
دأب عديد من أدباء المدن العراقية أرشفة المنجز الإبداعي بعد 2003 ،للحقب التاريخية المسكوت عنها بثقافتنا العراقية فأنتج الناقد «علي شبيب ورد» موسوعته منافي اور، أرشيف الشعر بالناصرية وتخومها لحقبة امتدت اكثر من 150 عاماً ، تناول في سيرة ونصوص لـ 142 من المبدعين بـ ـ42 صفحة، وهو جهد نوعي كبير لتعريف الأجيال بمن سبقها من شعراء . وكذلك أعد وترجم وقدم «عبد الله طاهر البرزاني «كتابه الموسوعي أرواح في العراء أنطولوجيا الشعر الكردي الحديث بـ 372 صفحة ، لـ100 من اديبات وادباء كرد قدم له الناقد علي الفواز بمقدمة ص8 (إن رحلة القصيدة الكردية هي رحلة البحث عن المعنى ،الهوية والوجود ،وربما هي معادل موضوعي للبحث عن خارطة المكان الكردي المغتال…) .
وصدر عن اتحاد أدباء وكتاب واسط تراتيل بحضرة السدة (انطولوجيا الشعر في واسط) لـ28 شاعراً بـ174 صفحة تناولت المشهد الشعري بواسط .
وعن دار الزيدي صدر كتاب «الديوان شعراء من الشطرة» فيه 29 شاعراً طوال قرن للمؤلف «طالب عباس جعفر» لأهم من كتب قصيدة العمود والنثر والشعر الشعبي في الشطرة، وهناك مشاغل نقدية وتوثيقية في مدن عراقية اخرى تسعى لأرشفة منجزها الثقافي في الشعر والسرد .
كما في معجم «كتاب القصة في النجف الاشرف 1920-2010 للباحث والمحامي ورئيس نادي القصة في النجف» محمود جاسم عثمان النعيمي» وقد أرشف المنجز السردي النجفي بـ368 صفحة وهو جهد كبيرفي أرشفة المنجز السردي، بالطبع هناك اتجاهات في كل مدننا العراقية الزاهيّة لأرشفة المنجز الإبداعي بكل المجالات خشية من الضيّاع.
إن الجهد في الارشفة يتطلب البحث عن المصادر التاريخية، والمنجزات الشخصية، من دواوين، ومنشورات ربما لفها الإهمال، الضياع، أو الفناء والإتلاف بالاحتراق المتعمد خوفاً من بطش الطغاة، أو ضياع وتلف المكتبات بالحروب، وربما لعدم طبعها مجدداً، تختفي من التناول والتعاطي والدراسة. لذلك فقدنا كثيراً من المنجز الشعري.. والثقافي في الحقب الماضية لقرون خلت ،لذا يعد الجهد المضني وهو يقوم بتدوين الذاكرة الثقافية من خلال ترميمها.. وجمعها بإصدارات مهمة هي خطوة لتقديم موائد العسل للمتلقي المعاصر، سواء كان دارساً أكاديمياً برسائله واطروحاته، أو مؤرخاً يستدعي التاريخ لتسليط الضوء على ما انجزه الأوائل ، وفي هذا التعريف نتصفح كتاب د. سعد الحداد ((ديوان الحلة انطولوجيا الشعر البابلي المعاصر)) وهو يبحر بنا نحو ضفاف الألق الشعري البابلي لأجيال الريادة البابلية ، فبابل التاريخ .. بابل الفقه.. بابل الإبداع لها حضورها الإنساني والمحلي، من هنا أنجز د. سعد الحداد هذا السفر التوثيقي المهم وقد ذكر بمقدمته : (…وعلى الرغم من الدمار والخراب الذي خلّفه الغرباء والطغاة في تاريخ المدينة إلا أنَها انتصرت بما انجز ابناؤها من عطاء فكري وثقافي. وصدّرت للإنسانية حرفاً تلو حرفٍ،ملونة بالحكمة والمعرفة ، وزاهية بديوانها الضخم).
مدينة لن تبخل على العراق بالعطاء فلها تاريخها الحضاري الموغل بالعمق ،ومن جنائنها المعلقه، ومسلاتها، وقوانينها، واديم ارضها نُقلت المعارف إلى فضاءات كونية رحبة بالتنوير الحضاري، شأنها شان اور الرسالات والتوحيد والموسيقى والنحت، وشأن نينوى الخلود والآثار والمنحوتات الضخمة ومكتبة آشور بانيبال ومنجزها الخالد ، وشأن بصرة العطاء بكل المجالات، مدننا بعضها يُكمل بعضاً في العطاء الثقافي العراقي شعراً ونثراً ومسرحاً وتشكيلا.
ومنها مدينة الحلة لما قدمت من رموز ثقافية .. العلامة د. طه باقر، د.سامي سعيد الاحمد، د.مهدي البصير، العلامة السيد صالح الحلي، د.صباح المرزوك، وعبد الامير عجام وناجح المعموري، وعشرات الأسماء الثقافيّة ، وقد جمع د. سعد الحداد نخبة مهمة من شعراء الحلة حسب الحروب الابجدية في مصنفه المهم الذي جاور مؤلفاته الـ 18 التي اشتغلت على تاريخ ، وأدب الحلة .